Wednesday, March 26, 2008

أمل دنقل

أثناء تقليبي في وريقاتي
وجدت هذه الكلمات
من أروع ما قرأت من الشعر المنثور
انها رائعة أمل دنقل رحمه الله


لا تصالح
لا تصالح
ولو منحوك الذهب
أترى حين أفقأ عينيك
ثم أثبت جوهرتين مكانهما
هل ترى ..؟
هي أشياء لا تشترى
ذكريات الطفولة بين أخيك وبينك
حسكما - فجأة - بالرجولة
هذا الحياء الذي يكبت الشوق .. حين تعانقه
الصمت - مبتسمين - لتأنيب أمكما
وكأنكما ما تزالان طفلين
تلك الطمأنينة الأبدية بينكما : أن سيفان سيفك
صوتان صوتك
إنك إن مت للبيت رب وللطفل أب
هل يصير دمي - بين عينيك - ماء ؟
أتنسى ردائي الملطخ
تلبس - فوق دمائي - ثيابا مطرزة بالقصب ؟
إنها الحرب
قد تثقل القلب
لكن خلفك عار العرب
لا تصالح
ولا تتوخ الهرب
لا تصالح على الدم .. حتى بدم
لا تصالح
ولو قيل رأس برأس
! أكل الرؤوس سواء ؟
أقلب الغريب كقلب أخيك ؟
أعيناه عينا أخيك ؟
وهل تتساوى يد .. سيفها كان لك
بيد سيفها أثكلك ؟
سيقولون : جئناك كي تحقن الدم .. جئناك
كن - يا أمير - الحكم
سيقولون : ها نحن أبناء عم
قل لهم : إنهم لم يرعوا العمومة فيمن هلك
واغرس السيف في جبهة الصحراء
إلى أن يجيب العدم
إنني كنت لك فارسا
وأخا . وأبا . وملك
لا تصالح .. ولو حرمتك الرقاد صرخات الندامة
وتذكر (إذا لان قلبك للنسوة اللابسات السواد
( ولأطفالهن الذين تخاصمهم الابتسامة
أن بنت أخيك "اليمامة" زهرة تتسربل - في سنوات الصبا- بثياب الحداد
كنت ، إن عدت : تعدو على درج القصر
تمسك ساقي عند نزولي
فأرفعها - وهي ضاحكة - فوق ظهر الجواد
ها هي الآن .. صامتة
حرمتها يد الغدر : من كلمات أبيها
ارتداء الثياب الجديدة
من أن يكون لها - ذات يوم - أخ
من أب يبتسم في عرسها
وتعود إليه إذا الزوج أغضبها
وإذا زارها
يتسابق أحفاده نحو أحضانه ، لينالوا الهدايا
ويلهوا بلحيته (وهو مستسلم) ويشدوا العمامة
لا تصالح
فما ذنب تلك اليمامة لترى العش محترقا
فجأة ، وهي تجلس فوق الرماد ؟
لا تصالح
ولو توجوك بتاج الإمارة
كيف تخطو على جثة ابن أبيك ..؟
وكيف تصير المليك.. على أوجه البهجة المستعارة ؟
كيف تنظر في يد من صافحوك
فلا تبصر الدم .. في كل كف ؟
إن سهماً أتانى من الخلف
سوف يجيئك من ألف خلف
فالدم - الآن صار وساما وشارة
لا تصالح
ولو توجوك بتاج الإمارة
إن عرشك : سيف
وسيفك : زيف
إذا لم تزن - بذؤابته - لحظات الشرف واستطبت - الترف
لا تصالح
" ولو قال من مال عند الصدام ".. ما بنا طاقة لامتشاق الحسام
عندما يملأ الحق قلبك
تندلع النار إن تتنفس
لا تصالح ولو قيل ما قيل من كلمات السلام
كيف تستنشق الرئتان النسيم المدنس ؟
كيف تنظر في عيني امرأة
أنت تعرف أنك لا تستطيع حمايتها ؟
كيف تصبح فارسها في الغرام ؟
كيف ترجو غدا لوليد ينام
كيف تحلم أو تغنى بمستقبل لغلام وهو يكبر
- بين يديك - بقلب منكس ؟
لا تصالح
ولا تقتسم مع من قتلوك الطعام
وارو قلبك بالدم
وارو التراب المقدس
وارو أسلافك الراقدين إلى أن ترد عليك العظام
لا تصالح
- ولو ناشدتك القبيلة باسم حزن - الجليلة
أن تسوق الدهاء، وتبدي - لمن قصدوك - القبول
سيقولون : ها أنت تطلب ثأرا يطول فخذ - الآن - ما تستطيع : قليلا من الحق
في هذه السنوات القليلة
إنه ليس ثأرك وحدك
لكنه ثأر جيل فجيل
وغدا.. سوف يولد من يلبس الدرع كاملة
يوقد النار شاملة، يطلب الثأر، يستولد الحق ، من أضلع المستحيل
لا تصالح
ولو قيل إن التصالح حيلة
إنه الثأر
تبهت شعلته في الضلوع
إذا ما توالت عليها الفصول
ثم تبقى يد العار مرسومة (بأصابعها الخمس) فوق الجباه الذليلة
لا تصالح
ولو حذرتك النجوم ورمى لك كهانها بالنبأ
كنت أغفر لو أنني مت
ما بين خيط الصواب وخيط الخطأ
لم أكن غازيا ، لم أكن أتسلل قرب مضاربهم
أو أحوم وراء التخوم
لم أمد يدا لثمار الكروم
أرض بستانهم لم أطأ لم يصح قاتلي بي : "إنتبه"
كان يمشي معي .. ثم صافحني
ثم سار قليلا ولكنه في الغصون اختبأ!
فجأة : ثقبتني قشعريرة بين ضلعين
واهتز قلبي - كفقاعة - وانفثأ .
وتحاملت ، حتى احتملت على ساعدي
فرأيت : ابن عمي الزنيم واقفا بتشفى بوجه لئيم
لم يكن في يدي حربة ، أو سلاح قديم
لم يكن غير غيظي الذي يتشكى الظمأ
لا تصالح
إلى أن يعود الوجود لدورته الدائرة النجوم .. لميقاتها
والطيور .. لأصواتها
والرمال .. لذراتها
والقتيل لطفلته الناظرة
كل شئ تحطم في لحظة عابرة
الصبا - بهجة الأهل - صوت الحصان - التعرف بالضيف
همهمة القلب حين يرى برعما في الحديقة يذوي
- الصلاة لكي ينزل المطر الموسمي -
مراوغة القلب حين يرى طائر الموت وهو يرفرف فوق المبارزة الكاسرة
كل شئ تحطم في نزوة فاجرة
والذي اغتالني : ليس ربا
ليقتلني بمشيئته ليس أنبل مني
ليقتلني بسكينته ، ليس أمهر مني
ليقتلني باستدارته الماكرة
لا تصالح
فما الصلح إلا معاهدة بين ندين
(في شرف القلب لا تنتقص)
والذي اغتالني محض لص
سرق الأرض من بين عيني
والصمت يطلق ضحكته الساخرة
لا تصالح
ولو وقفت ضد سيفك كل الشيوخ
والرجال التي ملأتها الشروخ
هؤلاء الذين يحبون طعم الثريد
وامتطاء العبيد
هؤلاء الذين تدلت عمائمهم فوق أعينهم
وسيوفهم العربية قد نسيت سنوات الشموخ
لا تصالح
فليس سوى أن تريد
أنت فارس هذا الزمان الوحيد وسواك ..المسوخ

لا تصالح لا تصالح
أمل دنقل

11 comments:

سارة درويش said...

الله على الروووووووووووعة يا استاذ احمد ،بجد انا اعشق امل دنقل وكل حرف خطته يداه .. ولا تصالح اختيار رائع وان كنت مش موافقة على مناسبتها لأن معاهدة السلام حقنت دماء كتير من المصريين .. وفعلا احنا دلوقتى لو دخلنا حرب بكم الفساد اللى فى مصر دا مش هننتصر ابداً .. شكرا على القصيدة يا استاذ احمد وحمستنى بجد انى انزل موضوع عن امل دنقل وحياته ومعاناته وقصة حبه الرائعة للرائعة عبلة الروينى .. مشروع تأجل كثيراً لكن حمستنى القصيدة انى احطه قيد التنفيذ .. اسفة انى طولت اوى

صحفى مصرى مشاغب said...

سارورة
حللتي أهلا ونزلتي سهلا بمدونتى
جميل أن تحبي القصيدة وان كنتي كرهتي المناسبة
وترددت وأنا أضعها خشية أن تقرأيها وتتضايقى لمعرفتي بحبك للرئيس الراحل أنور السادات -الذي احبه ايضا- ولكن لفرط اعجابي بالقصيدة وضعتها واستعددت للحوار من أجلها

صحفى مصرى مشاغب said...

علي فكرة أنا منتظر الموضوع الذي وعدتي به عن أمل دنقل
أما موضوع التطويل :
قد يكتب الانسان بضعة حروف ويكون طول بالفعل
وقد يكتب عشرات الصفحات لكن القارئ يريد أكثر
ويقول الرافعي
"فمن المرأه حلو لذيذ يؤكل منه بلا شبع : ومن المرأه مر كريه يشبع منه بلا أكل "أهـ
فكذلك القول ويسرني أن تكتبي وتسهبي
شرفتينا ونورتينا

سارة درويش said...

بجد بشكرك جدا على سعة صدرك لكلامى وطولة بالك عليا وميرسى كمان على مراعاتك ليا وكونى اتضايق اولا لأ بجد شكرا جدا .. انا نزلت الموضوع وسامحنى لو كان دون المستوى لأنى لا املك دموعى كل ما افتكر قصتهم .. شكرا الف مرة يا استاذ احمد بجد

صوت من مصر said...

مدونه هايله بصراحه
والبوست جميل جدا ماشاء الله

صحفى مصرى مشاغب said...

صوت من مصر
أهلا بك في المدونة
وشكرا عالتعليق الجميل
بس طبعا انا احببت ان اشارك زواري -حلوة زواري طبعا أصله موقع الياهو -قصيدة اعجبتني ورأيتها الان قدرا

سمراء said...

صوت من مصر على صوتك بمواضيع جديدة
بجد رائعة
اول مره اقرا لامل دنقل رحمه الله
كتاباته رائعة راح تشجعنى انى اعرف عنه اكتر
واقرأ ليه اكتر

استمر واقبلنى كمتابعة لموضوعاتك

صحفى مصرى مشاغب said...

الاخت الفاضلة سمراء
أهلا بك متباعة ومشاركة لموضوعات المدونة المتواضعة
شكرا لك وان كان الجمال فيمن شعر وصاغ هذه السلاسل الذهبية
رحمه الله امل دنقل
وسعدت بمرورك الكريم

جميلة هذه الجملة :
"
أن حضارة تجعل دأبها أن تتمرد على القوانين التي سنها العلي القدير لا تستطيع أن تنتهي إلا إلى "كارثة
(طاغور)
"
طبعا من مدونة حضرتك
لي عودة عندك

الدرعمي said...

السلام عليكم

بالطبع لا تصالح من القصائد الجميلة جدا
وأحب أقولك إني لما جيت أحفظها كنت بقولها بصوت عالي وبعيط وكان حالي كرب

مش عارف ليه كنت دايما أبكي وأنا بقول

إن سهما أتاني من الخلف

سوف يأتيك من ألف خلف

وكمان

لم يصح قاتلي بي انتبه والفقرة بتاعتها

المهم إني بأهدي هذه القصيدة

لفارس هذا الزمان الوحيد

أحمدي نجاد

وأشكرك على القصيدة

بالمناسبة أنا سبقتك ونشرتها من قبلك عندي عالمدونة

بس عندي استدراك بسيط

القصيدة من شعر التفعيلة

مش تبع قصيدة النثر


تحياتي


آدم

سارة درويش said...

استاذ احمد مفتقدين تدويناتك المميزة بجد

د/ أحمد لاشين said...

آسف جدا علي التأخير
ولكن هناك مدونة جديدة لوجهي القديم